.jpg)
في عالم المال والاستثمار الذي لا يتوقف عن التطور تبرز أدوات مالية متقدمة تتيح للمستثمرين والمتداولين فرص استثنائية لتحقيق الأرباح وحماية رؤوس أموالهم ومن بين هذه الأدوات تحتل (العقود الآجلة) مكانة مرموقة فهي بمثابة بوابة إلى عالم من الفرص التي تتجاوز حدود أسواق الأسهم التقليدية فهل تساءلت يوما كيف يمكن لشركات الطيران التحوط من ارتفاع أسعار الوقود المستقبلية أو كيف يمكن لمزارع أن يضمن سعر مجزي لمحصوله قبل حصاده بشهور أو كيف يمكن لمتداول جريء أن يحقق أرباح طائلة من خلال التنبؤ بحركة أسعار النفط أو الذهب الإجابة تكمن في عالم العقود الآجلة المثير والمليء بالتحديات والفرص.
هذا المقال هو رحلتك الاستكشافية في عالم العقود الآجلة سنبحر سويا في تفاصيله الدقيقة ونكشف عن أسراره ونرسم لك خريطة طريق واضحة تمكنك من فهم آلياته وكيفية استغلاله لتحقيق أهدافك الاستثمارية سواء كنت مستثمر متمرس تبحث عن تنويع محفظتك أو مبتدئ شغوف بالتعرف على أدوات استثمارية جديدة فإن هذا الدليل الشامل سيوفر لك المعرفة اللازمة للانطلاق في رحلتك مع العقود الآجلة بثقة ووعي.
أولا: ما هي العقود الآجلة (Futures)

• العقد الآجل هو اتفاق قانوني ملزم بين طرفين (مشتري وبائع) على شراء أو بيع أصل معين بسعر محدد مسبقا على أن يتم التسليم والتسوية في تاريخ مستقبلي محدد. هذا (الأصل) يمكن أن يكون أي شيء تقريبا بدءا من السلع المادية مثل النفط والقمح والذهب وصولا إلى الأدوات المالية مثل العملات الأجنبية ومؤشرات الأسهم وأسعار الفائدة.
• ببساطة العقد الآجل هو عقد للمستقبل يتفق الطرفان اليوم على سعر لسلعة أو أصل سيتم تبادله في المستقبل ويلتزم المشتري بشراء الأصل بالسعر المتفق عليه في تاريخ الاستحقاق بغض النظر عن سعره الفعلي في السوق في ذلك الوقت وبالمثل يلتزم البائع بتسليم الأصل بالسعر المتفق عليه.
• وتكمن أهمية العقود الآجلة في أنها توفر آلية لإدارة المخاطر والتسعير المسبق فهي تتيح للمنتجين والمستهلكين تثبيت الأسعار وحماية أنفسهم من تقلبات السوق غير المتوقعة كما أنها تفتح الباب أمام المضاربين الذين يسعون إلى تحقيق أرباح من خلال توقع اتجاهات الأسعار المستقبلية.
ثانيا: مكونات العقود الآجلة (Futures)
.jpg)
لكي يكون العقد الآجل موحد وقابل للتداول في البورصات العالمية المنظمة يجب أن يتضمن عدة مكونات أساسية ومحددة بدقة وهذه المكونات تضمن الشفافية والسيولة وتسهل على المتداولين فهم التزاماتهم وحقوقهم وأهم هذه المكونات هي:
1. الأصل الأساسي (Underlying Asset): هو السلعة أو الأداة المالية التي يتم تداولها بموجب العقد ويجب أن يكون الأصل محدد بدقة على سبيل المثال (النفط الخام الخفيف WTI) أو (الذرة من الدرجة الثانية).
2. حجم العقد (Contract Size): يحدد كمية الأصل الأساسي التي يغطيها عقد واحد على سبيل المثال عقد النفط الخام الآجل في بورصة نيويورك التجارية (NYMEX) يمثل 1000 برميل من النفط وعقد الذهب يمثل 100 أونصة تروي.
3. تاريخ انتهاء الصلاحية (Expiration Date): هو اليوم الأخير الذي يمكن فيه تداول العقد وبعد هذا التاريخ يجب على الأطراف إما تسوية العقد ماديا (تسليم الأصل الفعلي) أو تسويته نقدا.
4. آلية التسوية (Settlement Mechanism): تحدد كيفية إغلاق العقد عند انتهاء صلاحيته وهناك نوعان رئيسيان للتسوية:
• التسوية المادية (Physical Settlement): يلتزم البائع بتسليم الأصل الفعلي للمشتري وهذا النوع شائع في عقود السلع مثل النفط والقمح.
• التسوية النقدية (Cash Settlement): يتم تسوية الفرق بين سعر العقد الأصلي وسعر السوق عند انتهاء الصلاحية نقدا وهذا النوع هو المتبع في العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم وأسعار الفائدة.
5. سعر التسعير (Pricing Unit): يحدد الوحدة التي يتم بها تسعير العقد على سبيل المثال يتم تسعير عقود النفط بالدولار الأمريكي للبرميل بينما يتم تسعير عقود الحبوب بالسنت للبوشل.
6. الحد الأدنى لحركة السعر (Tick Size): هو أصغر زيادة أو نقصان مسموح به في سعر العقد على سبيل المثال قد يكون الحد الأدنى لحركة سعر عقد النفط هو 0.01 دولار (سنت واحد) للبرميل.
ثالثا: أنواع العقود الآجلة (Futures)
.jpg)
تتنوع العقود الآجلة لتشمل مجموعة واسعة من الأصول مما يتيح للمستثمرين فرصًا متنوعة ويمكن تصنيفها بشكل عام إلى الفئات التالية:
1. العقود الآجلة للسلع (Commodity Futures): وهي الأكثر شهرة وتاريخية، وتشمل:
• الطاقة: مثل النفط الخام والغاز الطبيعي والبنزين.
• المعادن: وتنقسم إلى معادن ثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين ومعادن صناعية مثل النحاس والألومنيوم.
• المنتجات الزراعية: مثل الذرة والقمح وفول الصويا والقهوة والسكر والقطن.
• الماشية: مثل الأبقار الحية والخنازير.
2. العقود الآجلة المالية (Financial Futures): وقد شهدت نمو هائل في العقود الأخيرة وتشمل:
• عقود مؤشرات الأسهم (Stock Index Futures): تتيح للمستثمرين المضاربة على أداء سوق الأسهم ككل مثل مؤشر S&P 500 أو مؤشر Dow Jones Industrial Average.
• عقود أسعار الفائدة (Interest Rate Futures): تستخدم للتحوط من أو المضاربة على التغيرات في أسعار الفائدة مثل عقود سندات الخزانة الأمريكية.
• عقود العملات الأجنبية (Currency Futures): تتيح تداول العملات الرئيسية مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي.
3. العقود الآجلة للعملات الرقمية (Cryptocurrency Futures): مع تزايد شعبية العملات الرقمية ظهرت عقود آجلة لها وأشهرها عقود البيتكوين (Bitcoin) والإيثيريوم (Ethereum).
رابعا: تصنيفات متداولي العقود الآجلة (Futures)
.jpg)
ينقسم المشاركون في أسواق العقود الآجلة بشكل أساسي إلى فئتين رئيسيتين لكل منهما أهدافه واستراتيجياته الخاصة:
1. المتحوطون (Hedgers):
• هدفهم الأساسي هو إدارة المخاطر وتقليل الخسائر المحتملة الناتجة عن تقلبات الأسعار غير المواتية في السوق الفعلي وفى العادة ما يكونون منتجين أو مستهلكين للأصل الأساسي على سبيل المثال قد يقوم مزارع ببيع عقود آجلة للقمح لتثبيت سعر بيع محصوله المستقبلي مما يحميه من انخفاض الأسعار. وبالمثل قد تشتري شركة طيران عقود آجلة لوقود الطائرات لتثبيت تكلفة الوقود المستقبلية مما يحميها من ارتفاع الأسعار والمتحوطون يستخدمون العقود الآجلة كأداة تأمين وقد لا يحققون أرباح كبيرة من تداول العقود نفسها لكنهم يضمنون استقرار تكاليفهم أو إيراداتهم.
2. المضاربون (Speculators):
• هدفهم الرئيسي هو تحقيق أرباح من خلال توقع اتجاه حركة الأسعار المستقبلية فهم لا يهتمون بامتلاك الأصل الفعلي والمضاربون يمكن أن يكونوا متداولين أفراد أو مديري صناديق استثمار أو مؤسسات مالية فهم يتحملون المخاطر التي يتجنبها المتحوطون حيث يقومون بشراء العقود الآجلة إذا توقعوا ارتفاع السعر (مركز شراء Long) وبيعها إذا توقعوا انخفاض السعر (مركز بيع Short) ويعتمدون على التحليل الفني والأساسي لاتخاذ قراراتهم.
يلعب كلا النوعين من المتداولين دور حيوي في سوق العقود الآجلة فالمتحوطون يوفرون الأساس الاقتصادي للسوق بينما يوفر المضاربون السيولة اللازمة التي تسهل على المتحوطين الدخول والخروج من السوق بسهولة.
خامساً: كيف يتم تداول العقود الآجلة (Futures)؟
.jpg)
يتم تداول العقود الآجلة في بورصات منظمة ومتخصصة مثل بورصة شيكاغو التجارية (CME Group) وبورصة إنتركونتيننتال (ICE) وتتم عملية التداول إلكترونيا عبر منصات تداول متطورة توفرها شركات الوساطة والخطوات الأساسية لتداول العقود الآجلة هي:
1. فتح حساب تداول: الخطوة الأولى هي فتح حساب لدى شركة وساطة مالية مرخصة ومنظمة تقدم خدمات تداول العقود الآجلة.
2. تمويل الحساب: يجب إيداع مبلغ من المال في حساب التداول وهذا المبلغ يستخدم كهامش.
3. فهم مفهوم الهامش (Margin): الهامش هو جزء صغير من القيمة الإجمالية للعقد يجب على المتداول إيداعه كضمان لحسن النية ويسمح الهامش للمتداولين بالتحكم في كمية كبيرة من الأصل الأساسي بمبلغ صغير من رأس المال وهذا ما يعرف بالرافعة المالية.
4. اختيار العقد: يختار المتداول العقد الذي يرغب في تداوله بناء على تحليله للسوق وأهدافه الاستثمارية.
5. إصدار أمر الشراء أو البيع: إذا كان المتداول يعتقد أن سعر الأصل سيرتفع فإنه يصدر أمر شراء (Go Long) وإذا كان يعتقد أن السعر سينخفض فإنه يصدر أمر بيع (Go Short).
6. المراقبة وإدارة الصفقة: بعد فتح المركز يجب على المتداول مراقبة حركة السعر عن كثب ويمكنه إغلاق المركز في أي وقت قبل تاريخ انتهاء الصلاحية عن طريق إجراء صفقة معاكسة وعلى سبيل المثال إذا اشترى عقد يمكنه إغلاق المركز ببيعه.
7. التسوية اليومية (Marking to Market): يتم تسوية حسابات العقود الآجلة يوميًا وهذا يعني أنه في نهاية كل يوم تداول يتم إضافة الأرباح أو خصم الخسائر من حساب الهامش الخاص بالمتداول بناء على سعر الإغلاق اليومي للعقد.
سادسا: كيف يمكن للمتداول تحقيق أرباح من العقود الآجلة (Futures)
.jpg)
يكمن جوهر الربح من العقود الآجلة في القدرة على التنبؤ الصحيح باتجاه حركة الأسعار ويمكن للمتداول تحقيق الأرباح بطريقتين رئيسيتين:
1. الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر مرتفع (Going Long):
• السيناريو: يعتقد المتداول أن سعر أصل معين مثل النفط سيرتفع في المستقبل.
• الإجراء: يقوم المتداول بشراء عقد آجل للنفط فعلى سبيل المثال يشتري عقد واحد (يمثل 1000 برميل) بسعر 80 دولار للبرميل.
• تحقيق الربح: إذا ارتفع سعر النفط كما توقع المتداول إلى 85 دولار للبرميل يمكنه بيع العقد الذي اشتراه. الربح هنا سيكون (85 - 80) دولار × 1000 برميل = 5000 دولار.
2. البيع بسعر مرتفع والشراء بسعر منخفض (Going Short):
• السيناريو: يعتقد المتداول أن سعر أصل معين مثل الذهب سينخفض في المستقبل.
• الإجراء: يقوم المتداول ببيع عقد آجل للذهب (دون أن يمتلكه فعليا) على سبيل المثال يبيع عقد واحد (يمثل 100 أونصة) بسعر 2000 دولار للأونصة.
• تحقيق الربح: إذا انخفض سعر الذهب كما توقع المتداول إلى 1950 دولار للأونصة يمكنه شراء عقد مماثل لإغلاق مركزه الربح هنا سيكون (2000 - 1950) دولار × 100 أونصة = 5000 دولار.
من المهم ملاحظة أن الرافعة المالية تلعب دور حاسم في تضخيم الأرباح والخسائر ففي المثالين السابقين لم يكن على المتداول دفع القيمة الكاملة للعقد بل فقط جزء صغير كهامش.
سابعا: مميزات العقود الآجلة (Futures)
.jpg)
يوفر الاستثمار في العقود الآجلة العديد من المزايا التي تجذب المتداولين والمستثمرين:
1. الرافعة المالية (Leverage): تتيح للمتداولين التحكم في قيمة أصول كبيرة برأس مال صغير نسبيا مما يمكن أن يؤدي إلى عوائد كبيرة على الاستثمار.
2. السيولة العالية (High Liquidity): تتمتع أسواق العقود الآجلة بسيولة عالية خاصة في العقود الأكثر شيوعا مما يعني سهولة وسرعة الدخول والخروج من الصفقات بأسعار تنافسية.
3. التنويع (Diversification): توفر العقود الآجلة إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الأسواق والأصول (سلع وعملات ومؤشرات) مما يساعد على تنويع المحافظ الاستثمارية وتقليل المخاطر.
4. الشفافية والتنظيم: يتم تداول العقود الآجلة في بورصات مركزية ومنظمة مما يضمن شفافية الأسعار وعدالة التعاملات.
5. البيع على المكشوف (Short Selling): تتيح العقود الآجلة للمتداولين تحقيق أرباح حتى في الأسواق الهابطة عن طريق البيع على المكشوف بسهولة.
6. تكاليف تداول منخفضة نسبيا: غالبا ما تكون عمولات تداول العقود الآجلة أقل من الأدوات الاستثمارية الأخرى.
ثامنا: مخاطر وعيوب العقود الآجلة (Futures)
.jpg)
على الرغم من الفرص الكبيرة التي توفرها العقود الآجلة إلا أنها تنطوي أيضا على مخاطر كبيرة يجب على كل متداول أن يكون على دراية بها:
1. الرافعة المالية (Leverage): كما تضخم الرافعة المالية الأرباح فإنها تضخم الخسائر أيضا ويمكن أن تؤدي حركة سعرية صغيرة وغير مواتية إلى خسائر كبيرة قد تتجاوز مبلغ الهامش الأولي مما يستدعي (نداء الهامش) أو (Margin Call) لإيداع أموال إضافية.
2. التقلبات العالية (High Volatility): يمكن أن تكون أسواق العقود الآجلة شديدة التقلب مما يزيد من صعوبة التنبؤ بالأسعار ويزيد من احتمالية حدوث خسائر سريعة.
3. التعقيد (Complexity): تتطلب العقود الآجلة فهم عميق للأسواق المالية وآليات عمل العقود واستراتيجيات إدارة المخاطر وهي ليست مناسبة للمبتدئين الذين ليس لديهم المعرفة الكافية.
4. مخاطر انتهاء الصلاحية: كل عقد آجل له تاريخ انتهاء صلاحية مما يضيف ضغط زمني على المتداولين فإذا لم يتم إغلاق المركز قبل انتهاء الصلاحية فقد يضطر المتداول إلى تسوية العقد ماديا وهو ما قد يكون غير مرغوب فيه ومكلف.
5. الحاجة إلى المراقبة المستمرة: نظرا لسرعة تقلب الأسواق يتطلب تداول العقود الآجلة مراقبة مستمرة للصفقات والأسواق لاتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
إن عالم الربح من الاستثمار في العقود الآجلة هو عالم مثير ومليء بالإمكانيات ولكنه ليس طريق مفروش بالورود إنه يتطلب أكثر من مجرد الحظ أو الجرأة إنه يتطلب معرفة عميقة وتحليل دقيق وانضباط صارم وإدارة حكيمة للمخاطر.
فقبل أن تخطو خطوتك الأولى في هذا العالم استثمر في تعليمك فتعلم أساسيات الأسواق وافهم مكونات العقود وتدرب على حساب تجريبي وضع خطة تداول واضحة والتزم بها وتذكر دائما أن الرافعة المالية سلاح ذو حدين وأن حماية رأس مالك هي الأولوية القصوى.
عندما يتم التعامل معها بالمعرفة والحكمة اللازمتين يمكن للعقود الآجلة أن تكون أداة قوية في ترسانة أي مستثمر تفتح له آفاق جديدة للنمو والربح في خضم الأسواق المالية العالمية دائمة الحركة.
الخاتمة

شعار موقعنا دائما اقرأ – نفذ – اكسب – شارك نتمنى أن ينال الموضوع إعجاب حضرتكم إن أعجبكم الموضوع فشاركوه لتعم الفائدة أو اترك تعليقا لتحفيزنا على الاستمرار وشكرا لمروركم الكريم